تزداد الحال الاقتصادية والخدمية في لبنان ضغطاً على القطاعين العام والخاص، ويزداد تأثير حجم النزوح السوري كمصدر للكثير من عناوين هذه الضغوط. ففي مجال فرص العمل كما في مجال استهلاك الكهرباء، كما في مجالي الطبابة والتعليم، يستنزف الاقتصاد اللبناني وتستنزف موارد الدولة اللبنانية بمقدار يعادل ملياراً ونصف المليار دولار سنوياً، وفقاً لتقديرات البنك الدولي، وما يرد من مساهمات دولية كتعويض عن هذا الاستنزاف أو لتخفيف آثاره غير ملموس، فهو لا يمر عبر الدولة، ولا يوظف في مجالات تخفيف الأذى الناجم عن النزوح، بل يتوزعه القيّمون على الجهات التي تتولى هذه المساهمات الدولية، ونسبة من النازحين يقوم أغلبها بادخار ما يناله من مساعدات نقدية يستثمرها في سورية وهو يحتفظ بصفة النزوح، وتكاد نسبة الانخراط في الاقتصاد لا تتعدى الـ 20 من المساهمات الدولية الخاصة بالنازحين، في ظل غياب أرقام دقيقة لهذه المساهمات.
تتقدّم الدولة اللبنانية عموماً، وخصوصاً رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية والمديرية العامة للأمن العام، نحو صناعة خطة لعودة النازحين، ورغم الأعداد المحدودة للعائدين حتى تاريخه، فإن التقدم هو في تحقيق استجابة دولية تتسع دائرتها ويتجذر القبول بها، لصالح النظرة اللبنانية لفصل العودة عن الشروط السياسية، وإحلال مفهوم العودة الآمنة مكان العودة الطوعية التي كانت عنوان تحرك الجهات الدولية الفاعلة.
تزداد الحاجة لمنح هذا الملف الأولوية، مع توسع المساحات والمناطق التي تقع تحت سيطرة الدولة السورية، وتوافر ظروف أمنية مناسبة لعودة أغلب الذين نزحوا بداعي الخوف من الحرب وأهوالها، بمعزل عن الذين تركوا بلادهم لأسباب سياسية، وهم يشكلون وفقاً للجهات المعنية بملف النازحين النسبة الأقل بكثير، وكذلك الذين لا يجوز التسامح مع بقائهم لتحويلهم النزوح ذريعة لتحقيق مكاسب اقتصادية، وفي أغلب الأحوال عبر الجمع بين موارد غير شرعية لا تتناسب مع صفة النزوح، وهؤلاء يشكلون النسبة الأهم في معادلة النازحين. فهم ينافسون اللبنانيين على فرص العمل بأجور لا تمكن مجاراتها، ويتلقون المساعدات بصفة نازحين، ويستهلكون الخدمات الحكومية بدون تأدية بدلاتها، ويتحركون عبر الحدود بين لبنان وسورية بصورة غير شرعية للحفاظ على صفة النزوح والبقاء في لبنان اقتصادياً وفي سورية اجتماعياً، وبعضهم يملك مشروعه في سورية، ويشترك بتهريب البضائع عبر الحدود بين البلدين، ثم يقوم بالعمل في لبنان ويتلقى المساعدة كنازح.
السعي لحل هذه المعضلة بتعاون لبناني سوري، وبمخاطبة دؤوبة مع الجهات المعنية دولياً، حقق الكثير من التقدم، وإبقاء هذه الأولوية حاضرة وبقوة سيحقق المزيد، لذلك يحتاج لبنان لتضافر جهود المعنيين في المجتمع المدني والبلديات خصوصاً، مع الجهود الرسمية، بمثل ما يحتاج لتفعيل الجهود الرسمية، مع المؤسسات الدولية وتزخيمها، وبالمستوى ذاته الحاجة لرفع ملف النازحين وما يقتضيه من تنسيق مع الحكومة السورية ووزاراتها ومؤسساتها من أي نوع من التجاذبات السياسية.